من ميناء ليوطي إلى مرسى المتشردين
يبدو أن الأرض التي استقطبت أقوى جنيرالات الجيش الفرنسي على عهد الحماية في القرن المنصرم (ليوطي) مازالت تجدب و تجدب و لكن هذه المرة فئات من طينة أخرى تسكن شوارعها و دروبها و أطرافها الخالية ٬ تنام المدينة بدونهم و تستيقظ على صخبهم و إزعاجهم ٬ فيهم من رمت به الأقدار في دائرة الحمق و ذهاب العقل و فيهم المتشردون الذين كلما اجتمعا في مكان ما خلتهم عصابة صغيرة تمارس فعلها الإجرامي ٬ أو هم أقرب إلى ذلك عندما لايترددون في الاعتداء على المارة خصوصا النساء و سلبهم ما يتوفرون عليه من مال أو ذهب أو هاتف خلوي هؤلاء لا يشاهدون إلا و آثار المواد المهلوسة بادية عليهم (الأقراص و لصاق السيلسيون) و مع ذهاب الوعي يقع ما يقع حيث يمارسون و تمارس عليهم أفعال مشينة !!
وأنت تمر بجانب نافورة المياه التي تتوسط المدينة الحديثة (الفيلاج) تجدها تحولت إلى مرتع للحمقى و المتشردين فهذا لا يتردد في قدف لعابه على سحنتك و ذاك يحاول الإمساك بتلابيبك و هؤلاء أطفال في عمر الزهور المتفتحة يطلبون معونتك و يخبرونك بجوعهم و عريهم منهم الذكور و الإناث ٬ لنتساءل كيف يمكن للأنثى أن تحمي نفسها وسط هذا العالم الشبيه بالغابة المصغرة لها أعرافها و قوانينها الخاصة التي لم تسطرها لا دساتير ولا كليات الحقوق... هل تستعيض بهذا القنيطرة اليوم عن ماضيها المتألق اجتماعيا و ثقافيا و فكريا ٬ لقد استطاعت ساكنتها في عصرها الذهبي التعايش مع الثقافات الأجنبية الفرنسية و الأمريكية دون أن تنسلخ عن هويتها المغربية الإسلامية كما ساهم أبناؤها في إثراء الفكر و الإبداع المغربي و العربي ٬ على سبيل المثال لا الحصر المرحوم محمد زفزاف و الدريبي و الطوبي ٬ و على مستوى الرياضة الكل يتذكر أيام مجد النادي القنيطري و مجد لاعبيه ٬ البوساتي مثلا صاحب أكبر رقم من الأهداف في البطولة الوطنية لم يحطم إلى يومنا هذا كما احتضنت هذه المدينة أول حلبة للتزلج و سباق الخيل على المستوى الوطني . لقد تغير كل شيء جميل في المدينة و أقبر كل ما من شأنه أن يسمو بالذوق و الإبداع الإنساني و تحولت إلى ورش عملاق ٬ وحش مكعبات الاسمنت المسلح التي جاءت لتختم هذه المسرحية الدرامية و تسدل الستار الذي أخفى زرقة السماء و أشعة الشمس و هواء الجو... لعل الذي استقطب الجنرال ليوطي إلى هذه الأرض و هذا الركن من النهر هو سحر جمال الطبيعة ٬ الخضرة أينما توجهت ٬ لكن سماسرة الاسمنت المسلح لهم رأي مخالف فالخضرة لا قيمة لها أمام الثروات الطائلة التي تدرها عليهم عمليات بيع الشقق للمغلوبين على أمرهم من ذوي الدخل المحدود ٬ وأنت في شوارع القنيطرة المعدودة على رِوس الأصابع لا ترى عير الجدران العملاقة التي تحجب كل شيء و لا ترى غير الفتيات اللائي يتفنن في استعراض كل ما من شأنه إثارة الغرائز الحيوانية . الكل يحدق في هذه الأجساد الجميلة الأنيقة التي تمشي بتبختر ٬ شبابا و كهولا و شيوخا و على رأسهم رواد المقاهي و فيهم من الشباب العاطل غير القادر على ولوج مؤسسة الزواج و الجميلات في كل مكان ٬ غير القادر على اقتناء قبر الحياة و العمارات في كل مكان يرى و يرى و يقول كم حاجة قضيناها بتركها.عفوا بالنظر إليها !!
الصغير رضــــــــا